عفريت البحر، عندما يذوب الذكر في الأنثى حرفيا
تشكل أسماك عفاريت البحرعائلة نظامية بأشكال و أحجام متعددة. و لكن أهم خاصية تميزهم هو الشكل الغريب و المخيف نوعا ما. اذ تملك السمكة جسسدا ضئيلا مقارنة بفمها الضخم العريض و المجهز بأشواك حادة و طويلة. كما تحمل فوق رأسها زائدة متحركة تستعملها السمكة لجذب انتباه طرائدها نحو فمها لاصطيادها. و هذه الزائدة منحت سمكة عفريت البحر اسما آخر تعرف به ألا وهو سمكة أبو الشص.
لكن تبقى طريقة تكاثر بعض الأنواع من عفاريت البحر التي تستوطن الأعماق السحيقة مثيرة للغاية. اذ أن حجم ذكر هذا النوع من الأسماك صغير للغاية مقارنة بالأنثى و يقتصر دوره على تلقيحها فقط. و لذلك يتشبث الذكر ببطن السمكة الأنثى و يكمل حياته ملتصقا بها في علاقة تطفل فريدة تسمى “التطفل الجنسي”. اذ بالتصاقه بجسد شريكته فهو يستمد منها المغذيات و الطاقة تماما كما تفعل حشرة القرادة مع الحيوانات البرية. ذلك أن حجم الذكر الصغيرو تطور هاته العلاقة عبر الزمن، جعلت الذكر يفقد قدراته الحياتية كالصيد و التنقل، و حتى الهضم. بالتالي فتطفله على الأنثى يصبح ضروريا منذ البداية.

لا تنتهي القصة هنا بل هنالك ماهو أكثر اثارة في الموضوع. اذ بمرور الوقت و تواصل التصاق ذكر عفريت البحر بجسد الأنثى يبدأ بدن الذكر بالاندماج مع الأنثى. وأكثر من ذلك، ترتبط الدورة الدموية للسمكتين مع بعضهما و يصبح اعتماد الذكر على الأنثى كاملا. في هذه المرحلة يصيب الضمور كل الأعضاء الحياتية و تصبح غير عملية كالأنبوب الهضمي و الكلى و حتى الأعضاء الحسية كالعيون. فقط الغدد التناسلية تواصل نشاطها و نموها لتؤدي المهمة الوحيدة التي بقيت لها و هي تأمين التكاثر الجنسي لهذا النوع.
ان اقتصار دور الذكر على توفير الحيوانات المنوية للانثى ليس أمرا نادرا في مملكة الحيوان. لكن بالنسبة لسمكة أبو الشص هذه فالأمر متطرف لحد كبير. فبالنسبة لجل الأنواع الأخرى التي تنتهي مهمة الفحل لديها باتمام عملية التلقيح، يضطلع الذكوربأدوار أخرى في الأنظمة البيئية التي تعيش فيها. فتكون مثلا صيادة أو عاشبة راعية تساهم في الحد من تكاثر الأجناس الأخرى الموجودة في مستويات غذائية سفلى. و تشكل في ذات الوقت غذاءا للكائنات التي تحتل المستويات الأعلى.
من جهة أخرى، تسآءل عدد من علماء الأحياء عن كيفية حدوث هذا الأمر. أو كيف يسمح جسد الأنثى لجسم غريب بالانصهار معه دون حدوث تفاعلات مثل ما قد يحدث عند الانسان في بعض حالات زرع الأعضاء. وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة ساينس قام بها فريق علمي من معهد ماكس بلانك لعلوم المناعة و التخلق (مصدر). اكتشف الباحثون أن عدد الجينات المسؤولة على المركب الأساسي للتوفق النسيجي منخفض جدا مقارنة بعدد نفس الجينات لى سمكة عفريت البحر. والجدير بالذكر أن هذا المركب البروتيني هو الشفرة التي يتعرف بها جسد ما على خلاياه فيتقبلها أو على خلايا غريبة عنه فيرد الفعل تجاهها. كما لاحظ الباحثون ايضا أن الخلايا اللمفاوية التائية و الأجسام المضادة كانت منخفضة جدا ان لم تكن منعدمة. بالتالي فردة فعل مناعية رافضة لجسد الذكر لا يمكن أن تحدث.
و يبقى المجال لمزيد من البحث و التعمق في هذا الموضوع لمزيد فهم الظاهرة و استخلاص ما قد يكون له تطبيقات طبية للجنس البشري. خاصة أن الحاجة لزرع الأعضاء في تطور مستمر ولكن يبقى نجاح هذا النوع من العمليات مرهونا بقبول الجسد للعضو الجديد. بينما لا تزال نسبة الرفض عالية رغم التطورات الحاصلة في المجال. و مثل هاته الاكتشافات قد تكون خطوة هامة في تطوير تقنيات زرع الأعضاء.