حيوانات بحرية

الحبار

بلحم أبيض لذيذ و طري و خال من الأشواك و العظام، يعتبر الحبار من أجود غلال البحر طعما و قيمة غذائية. و وهو داخل ضمن النظم الغذائية لعديد الشعوب الساحلية منذ القدم. اذ اكتشف علماء الاثار العديد من لوحات الفسيفساء الرومانية التي تصور الحبار في أشكال مختلفة. و الى الآن يستعمل الحبار بطرق مختلفة في مطابخ العالم و خارجها، و تنسب له أحيانا خواص في ما يخص الصحة الجنسية.

و اذ يطلق البعض على الحبار لفظ “سمكة” فهو في حقيقة الأمر لا علاقة له بالأسماك بخلاف أنهم يتقاسمون بيئة العيش أي مياه البحر. اذ ينتمي هذا الحيوان الى طائفة رأسيات الأرجل من شعبة الرخويات، و تحوي هذه الطائفة الى جانب الحبار، الأخابط (جمع أخطبوط) و السبيدج أو الكاليماري و النوتيات. و يخلط آخرون بين الحبار و الكاليماري أو السبيط للشبه بينهما، و لكن يبقى بينهما العديد من الفروق الكبيرة.

living cuttelfish underwater
حبار في محيطه الطبيعي

يتميز حيوان الحبار بشكل بيضوي ممتلئ و عينين كبيرتين. يحيط بجسده من الجانبين جناحان على شكل شريط يحركهما على شكل تموجات يستخدمهما للتحرك و التوازن. و يحمل رأس الحبار بجانب عينيه الضخمتين عشر أذرع، من بينهما ذراعان طويلتان جدا مقارنة بالبقية يستعملهما لقنص الحيوانات و الأسماك الصغيرة التي يتغذى عليها. و تحمل اذرعه ممصات صغيرة لإحكام القبض على الفريسة. تحيط أذرع الحبار بفمه الذي يحوي فكين على شكل منقار حاد جدا يستعمله لحقن ريقه السام في الفريسة ثم أكلها. بجانب شراسته، للحبار قدرة كبيرة على التخفي، اذ يقدر على تغيير ألوان و شكل جلده في لحضة واحدة، و أن يتماهى مع محيطه بشكل لا يصدق، مما يجعله خفيا حرفيا. و يستعمل في ذلك حويصلات لونية منتشرة على كامل جلده تتحكم فيها عضيلات صغيرة. عند تعرض الجلد للحرارة بالطبخ مثلا، يخرج لون أحمر بني  خاص يسمى سيبيا، و هو اسم الحبار في جل اللغات اللاتينية.

لهذا الحيوان سمة أخرى تميزه ألا وهي عظم الحبار، أو ما يعبر عنه أحيانا بلسان البحر. وهي تشكيلة كلسية يمكن اعتبارها الهيكل العظمي لهذا الكائن الرخوي. و الجدير بالذكر هنا أن هذا العظم هو في الأصل قوقعة الحبار، اذ و كما ذكرنا سابقا أن هذا الحيوان البحري ينتمي الى شعبة الرخويات التي يتميز جل أفرادها بوجود صدفة أو صدفتين. يشبه عضم الحبار شكل اللسان و يتكون من تواتر لفراغات خلوية تفصلها جدران كلسية رقيقة يبنيها جسد الحيوان كلما تقدم في العمر. و يذكر هذا التعاقب بشكل الحلقات في جذوع الأشجار. يعتبر لسان البحر هذا احدى ابداعات الطبيعة الهندسية، فبنيته المجهرية تجعل منه هيكلا قويا و في نفس الوقت خفيفا جدا ما يجعله يطفو فوق سطح الماء حتى تجرفه الأمواج الى الشاطئ.

عظم الحبار

و لكن لماذا سمي الحبار بهذا الاسم. يصبح الأمر جليا عندما نعلم أن هذا الحيوان يطلق سائلا أسود كثيفا يشبه الحبر عند هروبه من مفترس أو من خطر داهم. يشكل هذا السائل عند اطلاقه في الماء ما يشبه الغيمة التي تحجب الرؤية عن المفترس و تشتت انتباهه، ما يمنح الحبار لحظات ثمينة تمكنه من الهرب. يفرز هذا الحبر من غدة خاصة تحت المعطف اللحمي للحيوان و يخزن في كيس يسمى حويصلة الحبر. و يعتبر هذا السائل الأسود ثمينا بالنسبة للحيوان فهو لا يطلقه في كل مرة، اذ يتطلب ملأ الحويصلة مرة أخرى بعض الوقت و الطاقة.

يعود طعم الحبار اللذيذ لطراوة لحمه و غناه بعناصر ذوقية عديدة و بعنصر اليود الذي يعطي نكهة البحر المميزة. و يمثل المكون الرئيسي لعديد الأطباق في شتى أنحاء العالم و خاصة على ضفاف البحر المتوسط حيث يعد مطبوخا و مشويا و محشيا مع الأرز أو العجائن أو في صلصات مختلفة. و ليس هذا فقط اذ تستعمل بعض الأعضاء الداخلية أيضا، ففي إيطاليا مثلا يتم اعداد طبق المعكرونة السوداء باستعمال الحبر الذي يفرزه الحيوان، اذ يقع نزع حويصلة الحبر بعناية من جسده لهذا الغرض و يجب أن يكون الحبار حيا أو طازجا جدا حتى يتسنى أخذ الحويصلة بكامل محتواها، و الا فهي ترتخي بعد موت الحبار ويتسرب كل السائل. و تعتبر المعكرونة السوداء طبقا غاليا و خاصا نوعا ما يقدم في المناسبات و المطاعم الفاخرة و الأهم من ذلك أنه، على عكس ما قد يوحي به شكله، لذيذ جدا. و في تونس، يقع الاحتفاظ بمبايض أنثى الحبار عند تنظيفها وتسمى “فنود” و يقع اعداده بتغليفها بالدقيق و البهارات و قليها في الزيت و تقديمها مع السلطة. و تعزى لهذا الطبق خاصية تقوية القدرات الجنسية مع لذة طعمه و طراوته في الفم.

dish of black pasta
طبق المعكرونة السوداء بحبر الحبار

للحبار استعمالات أخرى أيضا و ان كانت محدودة نوعا ما، اذ يحبذ الصيادون الهواة أو المحترفون لحم الحبار كطعم للسمك، اذ أن تماسكه في الشص و رائحته  تجعل منه الطعم المثالي الذي لا يخيب، وأيضا يمكن تمليح قطع اللحم و بالتالي يبقى الطعم صالحا لعدة أيام. من الاستعمالات الأخرى لهذا الحيوان هي قوقعته الداخلية كما ذكرنا آنفا، اذ تستعمل تقليديا لتنظيف الأسنان على شاكلة المسواك. و يتم استعماله أيضا كمكمل غذائي لطيور الزينة و الطيور الداجنة كمصدر للكالسيوم، و حديثا يتم وضع مسحوق عظم الحبار في كبسولات يقع تناولها من طرف الانسان كمكمل غذائي و مصدر للكالسيوم الطبيعي أيضا.