تراجع البحر في المتوسط، ظاهرة طبيعية أم خطر داهم
لاحظ العديد من الناس مؤخرا تراجع البحر بصفة كبيرة. اذ انحسرت المياه قرب الشواطئ و تراجعت لعشرات و أحيانا مئات الأمتار . ظاهرة أثارت فضول و حيرة الكثير من الناس لعدم اعتيادهم على مثل هذا المنظر، و لخوفهم من ان يكون هذا الجزر الحاد ممهدا لحركة مد عالية أو تسونامي. خاصة و أن تراجع البحر الملاحظ في جل سواحل المتوسط تزامن مع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا و سوريا قبل أيام.
هذا وقد نشر العديد من رواد الشبكات الاجتماعية صورا تبين التراجع الكبير للمياه في عدة مناطق من المتوسط. في لبنان و الاسكندرية و طرابلس و تونس و الجزائر و حتى البندقية في ايطاليا حيث بدت قنواتها جافة و استقرت مراكبها المشهورة على القاع. و لكن ما سبب هذا التراجع؟
المد و الجزر
يرتفع و ينخفض مستوى سطح الماء بنحو متفاوت مرتين في اليوم و هو مرتبط اساسا بحركتي الشمس و القمر. حيث تعمل جاذبية هاذين الكوكبين على جذب السوائل في اتجاههما. و حسب موقع هاته الكواكب (الشمس و القمر و الارض أيضا) من بعضها، تتحدد شدة حركة الجذب و بالتالي درجة ارتفاع و انخفاض المياه في منطقة معينة. و ان كانت هذه الحركة غير مرئية بالنسبة للسوائل محدودة الحجم كبرك المياه و الخزانات أو حتى مجاري المياه و البحيرات فان الأمر يصبح ظاهرة جلية جدا عندما يتعلق الأمر بمسطحات مائية كبرى كالبحار و المحيطات.
أما بالنسبة للوضعية الحالية لتراجع البحر، فقد تزامن هذا الجزر مع طور الهلال الثاني أي مع نهاية الشهر القمري. اذ تتسم هذه المرحلة بضعف حركة المياه، لأن القمر و الشمس يكونان في وضع التعامد مع الأرض و المعروف أن هذا الترتيب لا ينتج طاقة جذب كبيرة. كما يعرف أغلب البحارة أن البحر يتراجع بشكل كبير و لمدة أيام في مثل هذا الوقت من كل سنة. و قد يكون ذلك راجعا أساسا للسبب الموالي، التيارات.
التيارات البحرية
تشكل التيارات البحرية عنصرا هاما يؤثر في مستويات سطح البحر. و هي تأثر و تتأثر بحركة المد و الجزر الناتجة عن حركة الكواكب. تنشأ تيارات مائية الممتدة و الدائمة انطلاقا من عدة عناصر كاختلاف حرارة المياه و ملوحتها و كثافتها. مثلما هو الحال بالنسبة للتيار الأطلسي الذي ينطلق من مضيق جبل طارق ليتحرك بموازاة السواحل الافريقية عابرا كل البحر المتوسط. هذا التيار بما يحمله من طاقة و كميات من المياه له تأثير على حركة المد و الجزر. و يعود ضعف هذا التيار . في هذا الوقت من السنة الى انخفاض درجات الحرارة و بالتالي تقلص طاقته. اذ تسجل في مثل هاته الفترة، أدنى درجات الحرارة على مدى العام.
الأحوال الجوية
اتسمت الأحوال الجوية مؤخرا بالتحسن و الاستقرار بعد نحو أسبوع من الطقس المتقلب و الرياح و الأمطار. ويعود هذا الوضع لتمركز مرتفع للضغط الجوي على كامل منطقة البحر المتوسط، و لكن قيمة قياس الضغط كانت مرتفعة بشكل غير عادي، اذ تجاوزت في معدلاتها ال 1036 هكتوباسكال بينما تكون عادة في حدود ال 1015. هذا الضغط الجوي المرتفع نسبيا، سلط دفعا على سطح الماء جعله ينخفض . و هذا الدفع حرك كميات هامة من المياه الى المناطق التي انخفض فيها الضغط. و هنا يؤكد المختصون أن هذا هو السبب الرئيسي لحدة تراجع المياه.

بالتالي فان هاته الحركة الاستثنائية لمياه البحر، تعود بالأساس للعوامل المختلفة التي كنا بصدد ذكرها و التي حدثت بشكل متزامن مما ضخم حجم الضاهرة. و لا علاقة للأمر بالتحركات الجيولوجية التي شهدها جنوب تركيا و تسبب في زلازل عنيفة و رجات متواصلة لعدة أيام. اذ ذهب البعض بالقول أن هذا الزلزال أحدث صدعا كبيرا في أعماق البحر انجر عنه تسرب كميات كبيرة من المياه الى باطن الأرض مما سبب تراجع البحر هذا. و ان كان تسرب المياه عبر الصدوع الزلزالية أمرا قابلا للحدوث فانه يبقى تفسيرا ساذجا و غير منطقي. لأن هنالك كميات هائلة من المياه كانت قد تحركت بفعل هذا الجزر في ضرف ساعات، و هاته الكميات لا يمكن بأي حال أن يستوعبها أي صدع.